في ليلة كروية لا تُنسى، أضاء فينيسيوس جونيور سماء “سانتياغو برنابيو” بهدف مذهل أعاد إلى الأذهان لمحات من عبقرية البرازيل، وسحر ريال مدريد، وروح الأساطير التي صنعت مجد النادي الملكي. لكن ما جعل الهدف أكثر تأثيرًا لم يكن جماله الفني فقط، بل التصريح الذي أطلقه فينيسيوس بعد المباراة، حين قال: “الفضل في هذا الهدف يعود لأسطورة ريال مدريد الذي ألهمني كثيرًا”. جملة تختصر علاقة عميقة بين جيلين، وتفتح بابًا للحديث عن الإرث، والتأثير، والامتداد.
الهدف الذي أشعل المدرجات
جاء الهدف في الدقيقة 73 من مواجهة نارية ضد خصم عنيد، حين استلم فينيسيوس الكرة على حدود منطقة الجزاء، راوغ مدافعَين، ثم أطلق تسديدة مقوسة استقرت في الزاوية العليا، معلنةً عن لحظة من لحظات المجد التي لا تُشترى ولا تُدرّب، بل تُولد من الإلهام.
الجماهير انفجرت فرحًا، وزملاؤه هرعوا إليه، لكن فينيسيوس بدا وكأنه يعيش لحظة تأمل، قبل أن يرفع يديه نحو السماء، ثم يشير إلى المدرجات، حيث كان يجلس أحد أساطير النادي السابقين، في لقطة تختصر الكثير من المعاني.
من هو الأسطورة الذي ألهم فينيسيوس؟
بحسب مصادر مقربة من اللاعب، فإن فينيسيوس كان يشير إلى النجم البرازيلي السابق رونالدو نازاريو، الذي حضر المباراة بدعوة من إدارة النادي. العلاقة بين فينيسيوس ورونالدو ليست جديدة، فقد سبق أن تحدث عنها في أكثر من مناسبة، مؤكدًا أنه يعتبره “القدوة الأولى” في مسيرته، وأنه درس تحركاته، وأسلوبه، وحتى طريقة تعامله مع الضغط الجماهيري.
لكن في هذه المباراة، بدا التأثير أكثر وضوحًا، وكأن فينيسيوس أراد أن يقول: “أنا امتدادك، وأنا هنا لأكمل ما بدأت”.
الإلهام كقوة دافعة
في عالم كرة القدم، كثيرًا ما يُنظر إلى الإلهام كعامل ثانوي، لكن فينيسيوس أثبت أن التأثر بأسطورة يمكن أن يتحول إلى قوة دافعة، وإلى طاقة داخلية تدفع اللاعب لتجاوز نفسه. يقول فينيسيوس: “كنت أشاهد أهداف رونالدو في الليالي التي أشعر فيها بالضغط، فأشعر أنني قادر على فعل المستحيل”.
هذا النوع من العلاقة بين الأجيال هو ما يصنع الفرق بين لاعب موهوب، ونجم يصنع التاريخ.
فينيسيوس: من موهبة واعدة إلى قائد هجومي
منذ انضمامه إلى ريال مدريد، مرّ فينيسيوس بمراحل متعددة، من لاعب شاب يُتهم بالتهور، إلى نجم يُعتمد عليه في المباريات الكبرى. تطوره لم يكن فقط على مستوى الأداء، بل على مستوى الشخصية، والقدرة على تحمل المسؤولية، والتعامل مع الضغوط.
هدفه الأخير، وتصريحه بعد المباراة، يكشفان عن نضج كبير، وعن إدراكه لدوره في الفريق، وعن فهمه العميق لما يعنيه ارتداء قميص ريال مدريد.
رونالدو نازاريو: الحاضر في الغياب
رغم اعتزاله منذ سنوات، فإن رونالدو لا يزال حاضرًا في ذاكرة الجماهير، وفي عقل اللاعبين، وفي روح النادي. وجوده في المدرجات كان له تأثير نفسي كبير، ليس فقط على فينيسيوس، بل على الفريق بأكمله. فحين يجلس أسطورة بهذا الحجم في الملعب، يشعر اللاعبون أنهم يلعبون أمام التاريخ، وأن كل لمسة، وكل تمريرة، وكل هدف، هو رسالة إلى من سبقهم.
ريال مدريد: نادي يصنع الأساطير ويحتضنهم
ما يميز ريال مدريد عن كثير من الأندية هو قدرته على صناعة الأساطير، ثم الحفاظ على علاقتهم بالنادي حتى بعد الاعتزال. من دي ستيفانو إلى زيدان، ومن راؤول إلى كاسياس، ومن رونالدو إلى مودريتش، يبقى النادي بيتًا لكل من صنع له المجد.
فينيسيوس، بتصريحه، يؤكد أنه يفهم هذه الديناميكية، وأنه لا يرى نفسه مجرد لاعب، بل حلقة في سلسلة طويلة من المجد.
الجماهير: بين الذكريات والطموحات
ردود فعل الجماهير على تصريح فينيسيوس كانت عاطفية، إذ عبّر كثيرون عن سعادتهم برؤية لاعب شاب يعترف بفضل من سبقوه، ويربط إنجازه بتاريخ النادي. البعض قال إن هذا النوع من التصريحات يعيد الروح إلى ريال مدريد، ويؤكد أن القميص الأبيض لا يُلبس فقط، بل يُحترم ويُعاش.
الإعلام: إشادة بالنضج والوعي
الصحف الإسبانية والبرازيلية تناولت تصريح فينيسيوس بإعجاب، واعتبرته دليلًا على نضج اللاعب، وعلى فهمه العميق لدوره في الفريق. صحيفة “ماركا” كتبت: “فينيسيوس لا يسجل فقط، بل يتحدث بلغة الأساطير”، بينما قالت “غلوبو” البرازيلية: “فينيسيوس يربط بين الماضي والحاضر، ويؤكد أن البرازيل لا تزال تنبض في قلب مدريد”.
هل يصبح فينيسيوس أسطورة؟
السؤال الذي يطرحه كثيرون الآن: هل يسير فينيسيوس على طريق الأسطورية؟ الإجابة ليست سهلة، لكنها ممكنة. فالموهبة موجودة، والتطور واضح، والعقلية بدأت تنضج، والعلاقة مع الجماهير تزداد قوة. وإذا استمر في تقديم هذا المستوى، مع هذا النوع من الوعي، فقد يصبح يومًا ما هو الأسطورة التي سيشير إليها لاعب شاب بعد هدف مذهل.
العبرة من التصريح
ما قاله فينيسيوس بعد هدفه ليس مجرد مجاملة، بل هو درس في التواضع، وفي فهم السياق، وفي احترام من سبق. إنه تذكير بأن كرة القدم ليست فقط أرقامًا وألقابًا، بل مشاعر، وذكريات، وتأثيرات تمتد عبر الزمن.
