أخبار الانتقالات

تشيلسي يعيد رسم خريطته التكتيكية من العمق

في كرة القدم الحديثة، لم يعد خط الوسط مجرد ممر بين الدفاع والهجوم، بل أصبح مركز التحكم، والعقل المدبر، والمرآة التي تعكس هوية الفريق. وفي موسم 2025/2026، يبدو أن تشيلسي قرر أخيرًا أن يعيد رسم خريطته التكتيكية من العمق، عبر ثلاثي جديد يُعيد تشكيل وسط الملعب بالكامل، ويمنح الفريق روحًا مختلفة، أكثر توازنًا، وأكثر طموحًا.

المدرب الإيطالي إنزو ماريسكا، الذي تولى قيادة “البلوز” في صيف 2025، لم ينتظر طويلًا ليضع بصمته. وفي بطولة كأس العالم للأندية، التي تُقام هذا الصيف في الولايات المتحدة، كشف عن ملامح مشروعه الجديد، حين دفع بثلاثي وسط مكوّن من روميو لافيا، مويسيس كايسيدو، وإنزو فيرنانديز، في مواجهة بنفيكا، ضمن دور الـ16 من البطولة.

ثلاثي لا يشبه من سبقوه

منذ رحيل نجولو كانتي وجورجينيو، عانى تشيلسي من فقدان الهوية في وسط الملعب. تجارب متعددة، أسماء كثيرة، لكن دون استقرار. ومع قدوم ماريسكا، بدا واضحًا أن الحل لن يكون في التدوير، بل في بناء منظومة متكاملة، تبدأ من اختيار العناصر المناسبة.

روميو لافيا، القادم من ساوثهامبتون، يُعد أحد أبرز المواهب الصاعدة في مركز الارتكاز. يتميز بقدرته على قطع الكرات، والتمركز الذكي، واللعب تحت الضغط. إلى جانبه، يقف مويسيس كايسيدو، الدينامو الإكوادوري الذي يجمع بين القوة البدنية والرؤية التكتيكية. أما إنزو فيرنانديز، فهو العقل المفكر، وصاحب التمريرة الحاسمة، واللاعب الذي يربط الخطوط ببراعة.

هذا الثلاثي لا يشبه من سبقوه في تشيلسي، لا من حيث الخصائص، ولا من حيث التكامل. كل لاعب يؤدي دورًا مختلفًا، لكنهم يتحركون ككتلة واحدة، ما يمنح الفريق مرونة كبيرة في التحول بين الدفاع والهجوم.

ماريسكا.. لمسة إيطالية على هوية إنجليزية

حين تعاقد تشيلسي مع ماريسكا، تساءل كثيرون عن جدوى هذا القرار. مدرب شاب، بلا خبرة كبيرة في الدوري الإنجليزي، قادم من تجربة ناجحة في ليستر سيتي في الدرجة الأولى. لكن الإدارة كانت تؤمن بفلسفته، وبقدرته على بناء مشروع طويل الأمد.

ماريسكا، الذي عمل مساعدًا لبيب غوارديولا في مانشستر سيتي، تأثر كثيرًا بأسلوب “التيكي تاكا”، لكنه أضاف إليه لمسة إيطالية تعتمد على الانضباط والواقعية. وفي تشيلسي، بدأ يُظهر ملامح هذا المزيج، خاصة في طريقة بناء اللعب من الخلف، والاعتماد على التمريرات القصيرة، والتحولات السريعة.

الثلاثي الجديد في الوسط هو تجسيد لهذه الفلسفة. لافيا يؤمن التوازن الدفاعي، كايسيدو يضغط ويستعيد، وإنزو يوزع ويصنع. وكل ذلك يتم بتناغم واضح، يُعيد إلى الأذهان خط وسط تشيلسي الذهبي في عهد مورينيو وأنشيلوتي.

الأرقام لا تكذب.. وسط تشيلسي يتنفس من جديد

في أول ثلاث مباريات خاضها هذا الثلاثي معًا، حقق تشيلسي نسبة استحواذ تجاوزت 62%، وبلغ متوسط التمريرات الناجحة 540 تمريرة في المباراة، منها 180 تمريرة في الثلث الأخير من الملعب. كما انخفض معدل استقبال الأهداف إلى 0.6 هدف في المباراة، مقارنة بـ1.4 في الموسم الماضي.

هذه الأرقام تعكس ليس فقط تحسن الأداء، بل أيضًا استعادة الفريق لهويته. تشيلسي لم يعد فريقًا مفككًا، بل منظومة متماسكة، تبدأ من العمق، وتُبنى على الثقة، والانضباط، والجرأة.

من الظل إلى الضوء.. لافيا يفرض نفسه

رغم أن إنزو وكايسيدو حصلا على الأضواء منذ انضمامهما، فإن روميو لافيا هو المفاجأة السارة في هذا الثلاثي. اللاعب البلجيكي الشاب، الذي عانى من الإصابات في موسمه الأول، عاد بقوة هذا الموسم، وأثبت أنه ليس مجرد بديل، بل عنصر أساسي في التشكيلة.

في مباراة بنفيكا، كان لافيا هو أكثر من لمس الكرة (98 لمسة)، وأكثر من استعادها (11 مرة)، وحقق نسبة تمريرات ناجحة بلغت 91%. أرقامه لا تكذب، لكنها أيضًا لا تُظهر كل شيء. لأن لافيا لا يكتفي بالأرقام، بل يمنح الفريق هدوءًا وثقة، لا تُقاس بالإحصائيات.

إنزو.. من لاعب واعد إلى قائد تكتيكي

حين تعاقد تشيلسي مع إنزو فيرنانديز مقابل 121 مليون يورو، كانت التوقعات عالية، وربما غير واقعية. اللاعب الأرجنتيني الشاب، الذي تألق في مونديال قطر، وجد نفسه فجأة في نادٍ يعاني من الفوضى، ومن جمهور لا يرحم.

لكن مع مرور الوقت، بدأ إنزو يجد مكانه، ويُثبت أنه ليس مجرد موكي. تمريراته الحاسمة، رؤيته للملعب، وقدرته على التحكم في الإيقاع، جعلته القلب النابض للفريق. ومع وجود لافيا وكايسيدو إلى جانبه، أصبح أكثر تحررًا، وأكثر تأثيرًا.

كايسيدو.. المحارب الذي لا يتعب

مويسيس كايسيدو هو اللاعب الذي لا يتوقف عن الركض. في كل مباراة، يغطي مساحات شاسعة، يضغط، يفتك، ويمرر. هو الرابط بين الدفاع والهجوم، واللاعب الذي يُشعر زملاءه بالأمان.

رغم الانتقادات التي طالته في بداياته، بسبب قيمة الصفقة (115 مليون جنيه إسترليني)، فإن كايسيدو أثبت أنه يستحق كل قرش. لأنه لا يلعب من أجل الأضواء، بل من أجل الفريق. وهو ما جعله محبوبًا من الجماهير، وزميلًا لا غنى عنه في غرفة الملابس.

هل يستعيد تشيلسي مجده من الوسط؟

السؤال الذي يطرحه الجميع الآن: هل يكفي هذا الثلاثي لإعادة تشيلسي إلى القمة؟ الإجابة ليست سهلة، لأن المنافسة في البريميرليغ شرسة، والموسم طويل. لكن ما هو مؤكد، أن الفريق بات يملك قاعدة صلبة، يمكن البناء عليها.

خط الوسط هو العمود الفقري لأي فريق، وتشيلسي أخيرًا وجد عموده الفقري. وإذا استمر هذا الثلاثي في التطور، فإن “البلوز” قد يعودون إلى المنافسة، ليس فقط محليًا، بل أوروبيًا أيضًا.

خاتمة: حين تُبنى الفرق من العمق

في زمن تُقاس فيه الفرق بعدد النجوم في الهجوم، اختار تشيلسي أن يبدأ من العمق. ثلاثي شاب، متكامل، متعطش، يُعيد تعريف خط الوسط في ستامفورد بريدج. مشروع لا يعتمد على الأسماء، بل على الانسجام، وعلى الرؤية، وعلى الإيمان بأن كرة القدم تُلعب من القلب، لا من الأطراف فقط.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى