سقوط الملكي في الديربي: ريال مدريد يتعثر أمام أتلتيكو في ليلة مدريدية مشتعلة


في أمسية كروية لا تُنسى، سقط ريال مدريد أمام جاره اللدود أتلتيكو مدريد بنتيجة مؤلمة، في ديربي العاصمة الإسبانية الذي أقيم على ملعب “سيفيتاس ميتروبوليتانو”. المباراة التي انتظرها عشاق الكرة حول العالم، لم تكن مجرد مواجهة بين فريقين، بل كانت صراعًا على الهيبة، والصدارة، والهوية. وبينما دخل ريال مدريد اللقاء بطموح تعزيز موقعه في القمة، خرج منه مثقلًا بالهزيمة، والأسئلة، والخيبة.
بداية نارية من أتلتيكو: ضغط، هدف، تفوق ذهني
منذ الدقيقة الأولى، بدا أن أتلتيكو مدريد دخل المباراة بعقلية مختلفة. دييغو سيميوني، الذي يعرف كيف يُحضّر لاعبيه نفسيًا لمثل هذه المواجهات، دفع بفريقه إلى الأمام، وفرض ضغطًا عاليًا أربك دفاع ريال مدريد. لم تمر سوى دقائق حتى افتتح ألفارو موراتا التسجيل بضربة رأسية متقنة، مستغلًا ضعف التمركز الدفاعي للضيوف.
الهدف المبكر منح أتلتيكو دفعة معنوية هائلة، وجعل ريال مدريد يدخل في حالة من الارتباك، خاصة في ظل غياب التنظيم في وسط الملعب، وافتقاد الفريق للربط بين الخطوط.
رد فعل باهت من ريال مدريد: غياب الحلول
رغم امتلاك ريال مدريد للكرة في فترات طويلة، إلا أن الفريق بدا عاجزًا عن اختراق دفاعات أتلتيكو المنظمة. غياب جود بيلينجهام عن مستواه المعتاد، وتراجع أداء فينيسيوس جونيور، جعل الهجوم الملكي بلا أنياب. حتى رودريغو، الذي حاول التحرك بين الخطوط، لم يجد الدعم الكافي.
أنشيلوتي حاول تعديل الرسم التكتيكي، لكنه اصطدم بصلابة أتلتيكو، الذي أغلق المساحات، ونجح في تحويل كل هجمة مرتدة إلى تهديد حقيقي. وفي الدقيقة 18، عاد موراتا ليضيف الهدف الثاني، وسط ذهول لاعبي ريال مدريد، الذين بدوا وكأنهم فقدوا التركيز تمامًا.
هدف تقليص الفارق: بصيص أمل لم يكتمل
قبل نهاية الشوط الأول، نجح توني كروس في تقليص الفارق بتسديدة رائعة من خارج منطقة الجزاء، أعادت الأمل لجماهير الملكي. الهدف جاء في توقيت مثالي، وكان من المفترض أن يكون نقطة تحول في المباراة. لكن الشوط الثاني حمل مفاجآت غير سارة لأنشيلوتي.
أتلتيكو لم يتراجع، بل واصل الضغط، واستغل المساحات خلف دفاع ريال مدريد، الذي بدا هشًا وغير منسجم. وفي الدقيقة 46، سجل أنطوان غريزمان الهدف الثالث، ليقضي على آمال العودة، ويؤكد تفوق الروخيبلانكوس في كل تفاصيل اللقاء.
أخطاء دفاعية قاتلة: نقطة ضعف واضحة
أحد أبرز أسباب خسارة ريال مدريد كانت الأخطاء الدفاعية المتكررة. غياب التركيز، وسوء التمركز، وعدم التنسيق بين روديغر وألابا، جعل الفريق عرضة للكرات العرضية، التي استغلها أتلتيكو ببراعة. حتى الحارس كيبا، الذي شارك بدلًا من كورتوا، لم يكن في أفضل حالاته، وارتكب أخطاء في التمركز والتعامل مع الكرات الهوائية.
هذه الأخطاء كشفت هشاشة المنظومة الدفاعية، وأكدت أن الفريق بحاجة إلى مراجعة شاملة، خاصة في المباريات الكبرى التي لا تحتمل التراخي.
أنشيلوتي تحت الضغط: خيارات تكتيكية مثيرة للجدل
المدرب الإيطالي كارلو أنشيلوتي واجه انتقادات واسعة بعد المباراة، بسبب خياراته التكتيكية، وتأخره في إجراء التبديلات. الاعتماد على مودريتش وكروس في وسط الملعب، رغم تقدمهم في السن، أثار تساؤلات حول قدرة الفريق على مجاراة الإيقاع العالي لأتلتيكو.
كما أن إشراك بيلينجهام في مركز متقدم، دون دعم كافٍ من الخلف، جعله معزولًا عن اللعب. التبديلات جاءت متأخرة، ولم تُحدث الفارق، ما زاد من حدة الانتقادات، خاصة أن الفريق بدا بلا حلول واضحة.
أتلتيكو مدريد: انتصار معنوي وتكتيكي
على الجانب الآخر، قدم أتلتيكو مدريد واحدة من أفضل مبارياته هذا الموسم. الفريق لعب بروح قتالية، وتنظيم تكتيكي عالي، واستغل كل فرصة ممكنة. سيميوني أثبت مرة أخرى أنه يعرف كيف يُدير المباريات الكبرى، ويُحفّز لاعبيه لتقديم أقصى ما لديهم.
موراتا وغريزمان تألقا بشكل لافت، وساهما في صناعة الفارق، بينما كان كوكي ودي بول صمام الأمان في الوسط، حيث أجهضا محاولات ريال مدريد للسيطرة على الإيقاع.
الجماهير والإعلام: غضب ملكي وفرحة حمراء
ردود الفعل بعد المباراة كانت متباينة. جماهير ريال مدريد عبّرت عن غضبها، وطالبت بمحاسبة اللاعبين، ومراجعة الخيارات الفنية. بينما احتفلت جماهير أتلتيكو بهذا الانتصار الكبير، واعتبرته بداية لمرحلة جديدة من الثقة والطموح.
الإعلام الإسباني تناول المباراة بتحليل دقيق، وركز على نقاط ضعف ريال مدريد، خاصة في الجانب الدفاعي، وعلى تفوق أتلتيكو في المعارك الثنائية، والضغط العالي.
ماذا بعد الديربي؟
خسارة ريال مدريد أمام أتلتيكو لا تعني نهاية الطريق، لكنها تمثل جرس إنذار حقيقي. الفريق بحاجة إلى مراجعة شاملة، واستعادة التوازن، خاصة قبل الدخول في مراحل حاسمة من دوري الأبطال والليغا. أنشيلوتي مطالب بإعادة ترتيب الأوراق، وتحديد أولويات واضحة، سواء على مستوى التشكيلة أو الرسم التكتيكي.
أما أتلتيكو، فسيحاول البناء على هذا الانتصار، واستغلال الزخم المعنوي لتحقيق نتائج إيجابية في المباريات المقبلة، خاصة أن الفريق أثبت أنه قادر على المنافسة، إذا ما حافظ على نفس الروح والانضباط.
الختام: ديربي كشف المستور
ديربي مدريد هذا الموسم لم يكن مجرد مباراة، بل كان مرآة تعكس واقع الفريقين. ريال مدريد، رغم النجوم، يعاني من مشاكل تكتيكية وذهنية، وأتلتيكو مدريد، رغم التحديات، يملك روحًا قادرة على قلب الموازين. وبين هذا وذاك، يبقى الديربي حدثًا استثنائيًا، يُكتب في ذاكرة الجماهير، ويُعيد تشكيل ملامح المنافسة في الليغا.




