باريس ضد الديوك مجددًا: حين تتحول الإصابات إلى ساحة صراع بين النادي والمنتخب


في فرنسا، لا تنتهي المعارك عند صافرة النهاية، بل تبدأ أحيانًا من غرفة العلاج، ومن تقارير الأطباء، ومن تصريحات المدربين. وبعد أزمة عثمان ديمبلي الأخيرة، التي فجّرت خلافًا بين باريس سان جيرمان والاتحاد الفرنسي لكرة القدم، عاد التوتر ليطفو على السطح مجددًا، في صدام علني جديد يُعيد طرح السؤال القديم: من يملك القرار النهائي في إدارة صحة اللاعبين، النادي أم المنتخب؟
🩺 خلفية الأزمة: ديمبلي بين باريس والديوك
قبل أسابيع، تعرض عثمان ديمبلي لإصابة عضلية خلال مشاركته مع منتخب فرنسا، ما أثار غضب إدارة باريس سان جيرمان التي اعتبرت أن اللاعب لم يكن جاهزًا بدنيًا، وأن إشراكه كان قرارًا غير مسؤول من الجهاز الفني للمنتخب.
المدرب لويس إنريكي عبّر عن استيائه بشكل غير مباشر، بينما تسربت تقارير تؤكد أن النادي الباريسي يدرس تقليص عدد اللاعبين الدوليين في تشكيلته، لتفادي تكرار مثل هذه الحوادث.
لكن الأزمة لم تنتهِ عند ديمبلي، بل كانت مجرد بداية لصدام جديد أكثر علنية، وأكثر حساسية.
🧨 الصدام الجديد: باريس يرفض إرسال لاعبيه
في المعسكر الأخير لمنتخب فرنسا، رفض باريس سان جيرمان إرسال عدد من لاعبيه المصابين أو غير الجاهزين بدنيًا، رغم استدعائهم من قبل المدرب ديدييه ديشامب. أبرز الأسماء التي أثارت الجدل كانت نونو مينديز، بريسنيل كيمبيمبي، وربما حتى ماركو أسينسيو، الذي يُتابع حالته الطاقم الطبي للنادي عن كثب.
الاتحاد الفرنسي اعتبر أن النادي يتدخل في صلاحياته، ويُعيق عمل الجهاز الفني، بينما يرى باريس أن حماية لاعبيه مسؤولية أولى، وأنه لا يمكن المجازفة بصحتهم في مباريات دولية غير حاسمة.
🗣️ ديشامب يرد: “لسنا عيادة باريس”
في تصريح ناري، قال ديشامب: “نحن لسنا مركزًا طبيًا تابعًا لباريس سان جيرمان. لدينا طاقمنا، ونثق في تقييماتنا. إذا استدعينا لاعبًا، فهذا يعني أننا نراه جاهزًا للمشاركة”.
هذا التصريح أثار موجة من الجدل في الإعلام الفرنسي، واعتبره البعض تصعيدًا غير مسبوق من مدرب المنتخب تجاه أحد أكبر أندية البلاد، خاصة أن العلاقة بين الطرفين كانت دائمًا متوترة، لكنها لم تصل إلى هذا المستوى من العلنية.
🧠 خلف الصدام: فلسفتان متناقضتان
الصدام بين باريس والمنتخب الفرنسي لا يتعلق فقط بالإصابات، بل يُجسد صراعًا أعمق بين فلسفتين:
- فلسفة النادي: ترى أن اللاعب هو استثمار طويل الأمد، وأن الحفاظ على صحته أولوية، خاصة في ظل ضغط المباريات المحلية والأوروبية.
- فلسفة المنتخب: ترى أن اللاعب يمثل بلاده، وأن الاستحقاقات الدولية لا تقل أهمية عن البطولات المحلية، بل تفوقها في بعض الأحيان من حيث القيمة الرمزية.
هذا التناقض يُنتج توترًا دائمًا، خاصة في فترات التوقف الدولي، حيث تتداخل المصالح، وتتصادم الأولويات.
📈 الأثر الفني: هل يتأثر المنتخب؟
غياب لاعبين مثل ديمبلي، مينديز، وكيمبيمبي عن المعسكرات يُضعف خيارات ديشامب، ويُربك خططه التكتيكية. فهؤلاء ليسوا مجرد أسماء، بل عناصر أساسية في رسم الهجوم والدفاع.
المنتخب الفرنسي، الذي يستعد لتصفيات كأس العالم، يحتاج إلى الانسجام، وإلى اختبار تشكيلته في كل فرصة ممكنة. لكن غياب اللاعبين الدوليين يُعطل هذا المسار، ويجعل من كل معسكر فرصة ضائعة.
💼 البعد الإداري: من يتحكم في القرار؟
قانون الفيفا يُلزم الأندية بإرسال لاعبيها إلى المنتخبات في فترات التوقف الدولي، ما لم يكن هناك تقرير طبي يُثبت عدم الجاهزية. لكن باريس سان جيرمان بدأ يُوظف هذا القانون بطريقة دقيقة، حيث يُرسل تقارير طبية تُظهر أن اللاعب “غير جاهز بنسبة 100%”، ما يمنحه هامشًا للمناورة.
الاتحاد الفرنسي بدأ يُطالب بإجراء فحوصات مستقلة، لكن هذا يُفتح بابًا جديدًا من الجدل حول الخصوصية الطبية، وحول من يملك الحق في تقييم حالة اللاعب.
🧬 اللاعب بين المطرقة والسندان
وسط هذا الصراع، يقف اللاعب في موقف صعب. فهو يريد تمثيل بلاده، لكنه أيضًا لا يريد خسارة مكانه في النادي، أو المجازفة بصحته. بعض اللاعبين يختارون الصمت، بينما يعبّر آخرون عن رغبتهم في المشاركة، حتى لو لم يكونوا جاهزين تمامًا.
لكن في النهاية، القرار لا يكون بيدهم، بل بيد الأطباء والمدربين، ما يجعلهم ضحايا لصراع أكبر منهم.
🏟️ باريس سان جيرمان: نادي عالمي بهوية محلية متوترة
باريس يُعد من أكثر الأندية العالمية من حيث عدد اللاعبين الدوليين، لكنه في الوقت نفسه يُعاني من توتر دائم مع الاتحادات الوطنية، خاصة الاتحاد الفرنسي. هذا التوتر يُعكس في تصريحات المدربين، وفي طريقة إدارة الإصابات، وحتى في جدول المباريات.
النادي يرى أن لاعبيه يُستنزفون في المعسكرات، ويعودون بإصابات تُؤثر على مسيرته في دوري الأبطال، البطولة التي يُعد الفوز بها هدفًا رئيسيًا.
🧭 هل من حل؟ الطريق نحو التفاهم
الحل لا يكمن في التصعيد، بل في الحوار. يجب أن يكون هناك بروتوكول واضح بين الأندية والمنتخبات، يُحدد كيفية التعامل مع الإصابات، وكيفية تقييم جاهزية اللاعبين.
ربما يكون الحل في إنشاء لجنة طبية مشتركة، أو في اعتماد تقارير محايدة، تُرضي الطرفين، وتُجنب اللاعبين الوقوع في صراعات لا تخصهم.
🏁 خاتمة: كرة القدم ليست فقط أهدافًا… بل إدارة علاقات
الصدام بين باريس سان جيرمان ومنتخب فرنسا يُظهر أن كرة القدم الحديثة لم تعد تُدار فقط في الملعب، بل في المكاتب، وفي غرف العلاج، وفي التصريحات الإعلامية.
وإذا أرادت فرنسا الحفاظ على وحدة منتخبها، وعلى جاهزية لاعبيها، فعليها أن تُعيد النظر في طريقة التواصل مع الأندية، وأن تُدرك أن اللاعب هو الحلقة الأضعف، ويجب حمايته من نار الصراعات.




