أخبار منتخبات العالم

فرنسا على أعتاب المونديال: بين حسابات التأهل وغياب القائد

في تصفيات لا ترحم، حيث تتصارع المنتخبات الأوروبية على بطاقات العبور إلى كأس العالم 2026، تقف فرنسا على أعتاب التأهل، لكنها لا تزال مطالبة بإثبات جدارتها في الميدان. ورغم أن “الديوك” يملكون سجلًا ناصعًا في المجموعة الرابعة، فإن الغيابات المفاجئة والضغوط المتزايدة تفرض على المدرب ديدييه ديشامب تحديات لا تقل صعوبة عن المباريات نفسها.

بداية مثالية.. لكن الطريق لم يُحسم بعد

منذ انطلاق التصفيات الأوروبية المؤهلة إلى مونديال أمريكا الشمالية، أظهرت فرنسا نواياها مبكرًا. أربعة انتصارات متتالية، ثم تعادل وهزيمة، وضعت المنتخب في صدارة المجموعة برصيد 13 نقطة، متساويًا مع إيطاليا، لكن بأفضلية فارق الأهداف.

الفوز الأخير على أذربيجان بثلاثية نظيفة في “حديقة الأمراء” أعاد الثقة إلى المعسكر الفرنسي، خاصة بعد الأداء المتذبذب في سبتمبر. لكن رغم هذا الانتصار، لا تزال فرنسا بحاجة إلى حسم الأمور رسميًا، وهو ما يجعل مواجهة أيسلندا في ريكيافيك محطة مفصلية.

الحسابات المعقدة.. ماذا تحتاج فرنسا للتأهل؟

وفقًا للسيناريوهات الحالية، فإن فوز فرنسا على أيسلندا سيمنحها بطاقة التأهل المباشر إلى كأس العالم، بشرط ألا تحقق أوكرانيا الفوز على أذربيجان في المباراة الأخرى. أما في حال فوز أوكرانيا، فستُرحّل الحسم إلى الجولة الأخيرة، حيث ستواجه فرنسا خصمًا مباشرًا على بطاقة التأهل.

هذا التعقيد في الحسابات يجعل من الضروري على ديشامب ولاعبيه عدم الاعتماد على نتائج الآخرين، بل الدخول إلى مباراة أيسلندا بعقلية “النهائي”، حيث لا مجال للتراخي أو الحسابات الجانبية.

ضربة مزدوجة.. غياب مبابي وكوناتي

قبل مواجهة أيسلندا، تلقى المنتخب الفرنسي ضربة موجعة بإصابة نجمه الأول كيليان مبابي في الكاحل خلال مباراة أذربيجان، ما أدى إلى استبعاده من المعسكر لتلقي العلاج. ولم يكن مبابي وحده من غادر، إذ لحق به المدافع إبراهيما كوناتي بسبب إصابة عضلية في الفخذ.

غياب مبابي لا يعني فقط فقدان هداف، بل خسارة قائد، ومحفّز نفسي داخل الملعب. ديشامب أعلن أن الحارس مايك مينيان سيتولى شارة القيادة في مباراة أيسلندا، في خطوة تعكس ثقته في الحارس المخضرم، لكنها تضع ضغطًا إضافيًا على باقي عناصر الفريق.

ديشامب بين الواقعية والطموح

منذ توليه تدريب فرنسا عام 2012، عرف ديشامب كيف يبني فريقًا متماسكًا، قادرًا على المنافسة في كل بطولة. قاد “الديوك” إلى نهائي يورو 2016، ثم إلى التتويج بكأس العالم 2018، وربع نهائي مونديال قطر 2022. لكن التصفيات دائمًا ما كانت تمثل له تحديًا خاصًا، لأنها تتطلب استمرارية، لا مجرد تألق في بطولة قصيرة.

في ظل الغيابات، قد يلجأ ديشامب إلى تغيير في الرسم التكتيكي، مع الاعتماد على أسماء مثل كينجسلي كومان، كريستوفر نكونكو، وجان فيليب ماتيتا الذي استُدعي لأول مرة إلى المنتخب. كما يُنتظر أن يلعب كامافينجا دورًا محوريًا في وسط الميدان، إلى جانب رابيو وخيفرين تورام.

أيسلندا.. خصم لا يُستهان به

رغم أن أيسلندا ليست في أفضل حالاتها، فإنها تظل خصمًا عنيدًا على أرضها، خاصة في الأجواء الباردة والملاعب الضيقة. المنتخب الإسكندنافي يعتمد على التنظيم الدفاعي والانضباط التكتيكي، ويملك عناصر قادرة على مفاجأة الكبار، كما فعل في يورو 2016.

فرنسا تدرك أن أي تهاون قد يُكلفها الكثير، وأن الخروج بنقطة واحدة قد لا يكون كافيًا إذا ما حققت أوكرانيا الفوز في مباراتها. لذلك، فإن الحسم المبكر هو الخيار الوحيد الآمن.

الجمهور الفرنسي.. بين التفاؤل والحذر

رغم أن الجماهير الفرنسية تعوّدت على رؤية منتخبها في المونديال، فإنها لا تزال تتعامل مع التصفيات بحذر. فالتجربة الإيطالية الأخيرة، حين فشل “الآتزوري” في التأهل مرتين متتاليتين، جعلت الجميع يدرك أن لا أحد في مأمن من المفاجآت.

وسائل الإعلام الفرنسية ركزت على أهمية التركيز، وعدم الاستهانة بالمنافسين، خاصة في ظل الإصابات. كما أشادت بأداء بعض العناصر الشابة التي بدأت تفرض نفسها في التشكيلة، مثل باركولا وأوليس.

مونديال 2026.. حلم يتجدد

كأس العالم 2026 سيكون مختلفًا عن كل النسخ السابقة. للمرة الأولى، سيُقام في ثلاث دول (الولايات المتحدة، كندا، المكسيك)، وبمشاركة 48 منتخبًا بدلًا من 32. هذا التوسع يمنح أوروبا 16 مقعدًا، ما يزيد من فرص التأهل، لكنه لا يقلل من أهمية التصفيات، خاصة للمنتخبات الكبرى التي لا تقبل إلا بالصدارة.

فرنسا، التي وصلت إلى النهائي في آخر نسختين، تطمح إلى مواصلة الهيمنة، وتكرار إنجاز 1998 و2018. لكن لتحقيق ذلك، يجب أولًا عبور بوابة التصفيات، ثم بناء فريق متجانس قادر على المنافسة في صيف 2026.

خاتمة: بين الغيابات والحسم المنتظر

فرنسا تقف على حافة التأهل، لكنها لم تعبر بعد. الغيابات المؤثرة، والضغوط الجماهيرية، والتقلبات التكتيكية، كلها عوامل تجعل من مباراة أيسلندا اختبارًا حقيقيًا لمدى جاهزية “الديوك” للمرحلة المقبلة.

الكرة الآن في ملعب ديشامب ولاعبيه. فإما أن يحسموا التأهل مبكرًا، ويمنحوا أنفسهم فرصة للتحضير بهدوء، أو يدخلوا في دوامة الحسابات المعقدة، حيث لا مكان للخطأ.

في كرة القدم، لا يكفي أن تكون الأفضل على الورق. يجب أن تثبت ذلك على العشب، في كل دقيقة، وكل تمريرة، وكل هدف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى