أخبار اللاعبين

صلاح في ليفربول: من الحل الذهبي إلى معضلة تكتيكية

في أنفيلد، حيث تُكتب فصول المجد الكروي، يعيش ليفربول مرحلة انتقالية دقيقة تحت قيادة المدرب الهولندي آرني سلوت. الفريق الذي اعتاد المنافسة على كل البطولات، بدأ موسمه الجديد بتطلعات كبيرة، لكن سرعان ما ظهرت ثغرات تكتيكية أمام الفرق الكبرى، أبرزها تلك المرتبطة بالنجم المصري محمد صلاح. وبين من يرى أن صلاح لا يزال الورقة الرابحة، ومن يعتقد أنه أصبح عائقًا أمام تطور المنظومة، تتصاعد الأسئلة وتتشابك التحليلات.

🧠 صلاح وسلوت: فلسفتان لا تتقاطعان

منذ اليوم الأول لتولي سلوت قيادة ليفربول، تحدث المدرب عن “كرة هجومية مرنة”، تعتمد على التمرير السريع، التمركز المتغير، والضغط الجماعي. فلسفة مستوحاة من المدرسة الهولندية، لكنها تحتاج إلى لاعبين يملكون القدرة على التحرك بدون كرة، وتغيير مواقعهم باستمرار.

لكن صلاح، رغم قدراته التهديفية الخارقة، يفضل اللعب في مساحة محددة على الجهة اليمنى، حيث يمكنه الانطلاق بالكرة، الدخول للعمق، وإنهاء الهجمات. هذا الأسلوب يتعارض مع رغبة سلوت في تدوير الأدوار الهجومية، مما خلق فجوة تكتيكية واضحة، خصوصًا في المباريات الكبيرة.

🔍 الأرقام لا تكذب: تراجع أمام الكبار

في المواجهات ضد مانشستر سيتي، تشيلسي، وأرسنال، بدا صلاح وكأنه خارج المنظومة. لم يسجل، لم يصنع، ولم يشارك بفعالية في البناء الهجومي. نسبة تمريراته الصحيحة انخفضت إلى أقل من 75%، وعدد لمسات الكرة داخل منطقة الجزاء كان الأقل بين لاعبي الهجوم.

في مباراة السيتي، على سبيل المثال، لمس صلاح الكرة 28 مرة فقط، منها 6 في الثلث الأخير. لم يسدد أي كرة على المرمى، ولم ينجح في تجاوز مدافعي الخصم سوى مرة واحدة. هذه الأرقام تعكس مشكلة تكتيكية أكثر منها فردية.

🧩 صلاح كلاعب: نقاط القوة والقيود

لا يمكن إنكار أن صلاح أحد أفضل اللاعبين في تاريخ ليفربول. منذ انضمامه في 2017، سجل أكثر من 190 هدفًا، وصنع العشرات، وكان عنصرًا حاسمًا في التتويج بدوري الأبطال والدوري الإنجليزي. يمتلك سرعة خارقة، قدرة على إنهاء الهجمات، وحس تهديفي نادر.

لكن في المقابل، صلاح ليس لاعبًا جماعيًا بالمعنى التكتيكي الحديث. لا يشارك كثيرًا في الضغط، ولا يعود للدفاع بانتظام، ويفضل اللعب في مساحة ثابتة. هذه الصفات كانت مثالية في منظومة يورغن كلوب، لكنها لا تتناسب مع فلسفة سلوت التي تعتمد على التغيير المستمر في المواقع والواجبات.

🧭 سلوت: مشروع يحتاج إلى مرونة

المدرب الهولندي جاء إلى ليفربول بمشروع واضح: بناء فريق هجومي متوازن، قادر على السيطرة على الكرة، والتحول السريع من الدفاع للهجوم. في فينورد، نجح في تطبيق هذه الفلسفة بفضل لاعبين شباب يملكون مرونة تكتيكية عالية.

لكن في ليفربول، يواجه سلوت تحديًا مختلفًا: نجوم كبار، أصحاب تاريخ، وجماهير لا تقبل التغيير السريع. صلاح، كأيقونة الفريق، يمثل هذا التحدي بأوضح صورة. فهل يملك سلوت الجرأة لتغيير دوره؟ وهل يستطيع إقناع اللاعب والجمهور بذلك؟

🧒 البدائل: هل يملك ليفربول الحل؟

في ظل تراجع صلاح أمام الفرق الكبرى، بدأ الحديث عن البدائل. لويس دياز، كودي جاكبو، وداروين نونيز، يملكون قدرات مختلفة، لكنهم لا يملكون نفس الحسم الذي يقدمه صلاح. دياز أكثر ديناميكية، جاكبو أكثر مرونة، ونونيز أكثر قوة، لكن لا أحد منهم يملك سجل صلاح التهديفي.

ومع ذلك، في المباريات التي غاب فيها صلاح، بدا الفريق أكثر توازنًا هجوميًا، وأكثر قدرة على تنفيذ تعليمات سلوت. هذا لا يعني أن صلاح يجب أن يُستبعد، بل أن دوره يجب أن يُعاد تعريفه.

🧬 الجماهير: بين الحب والواقعية

صلاح يحظى بشعبية هائلة بين جماهير ليفربول. هو رمز النجاح، وواجهة الفريق في السنوات الأخيرة. لكن الجماهير بدأت تلاحظ التراجع، وبدأت تطالب بتغييرات تكتيكية، حتى لو كانت تشمل النجم المصري.

في استطلاع للرأي أجرته صحيفة “ليفربول إيكو”، أيد 62% من المشاركين فكرة منح صلاح دورًا مختلفًا، أو حتى إراحته في بعض المباريات الكبرى. هذا التحول في المزاج الجماهيري يعكس إدراكًا متزايدًا بأن كرة القدم الحديثة لا تعتمد على الأسماء، بل على المنظومة.

🧠 صلاح نفسه: هل يقبل التغيير؟

من خلال تصريحاته الأخيرة، يبدو أن صلاح لا يزال يرى نفسه في قمة مستواه. تحدث عن رغبته في الاستمرار، وعن أهدافه في تحطيم المزيد من الأرقام. لكنه لم يتطرق إلى التغيير التكتيكي، ولم يُظهر استعدادًا لتعديل أسلوبه.

هذا الموقف قد يكون مفهومًا من لاعب يملك هذا التاريخ، لكنه قد يُشكل عائقًا أمام تطور الفريق. في كرة القدم الحديثة، حتى النجوم الكبار مطالبون بالتكيف، وإلا فإنهم يتحولون من حلول إلى مشاكل.

🎯 هل أصبح صلاح مشكلة؟

السؤال الذي يطرحه العنوان ليس اتهامًا، بل محاولة لفهم الواقع. صلاح ليس مشكلة بحد ذاته، لكنه قد يُشكل عائقًا إذا لم يتم دمجه في المشروع الجديد بطريقة ذكية. الحل لا يكمن في استبعاده، بل في إعادة تعريف دوره، وتوظيفه بما يخدم الفريق.

ربما يكون الجناح الحر، أو المهاجم الثاني، أو حتى اللاعب الذي يدخل في آخر نصف ساعة، هو الدور الأنسب في بعض المباريات. المهم أن يكون القرار فنيًا، لا عاطفيًا، وأن يُبنى على تحليل دقيق، لا على المجد الماضي.

🔮 المستقبل: بين التكيف والرحيل

إذا استمر التباين بين فلسفة سلوت وأسلوب صلاح، فقد نكون أمام مفترق طرق. إما أن يتكيف اللاعب، ويعيد اكتشاف نفسه في المنظومة الجديدة، أو أن يبحث النادي عن حلول أخرى، قد تشمل بيع اللاعب في الصيف المقبل.

في كلتا الحالتين، يجب أن يكون القرار مبنيًا على مصلحة الفريق، لا على المجاملات. ليفربول بحاجة إلى منظومة هجومية متكاملة، وسلوت بحاجة إلى أدوات مرنة، وصلاح بحاجة إلى تحدٍ جديد يعيد له بريقه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى