أخبار الدوريات

أزمة الإبداع في كامب نو: فليك بين مطرقة الإصابات وسندان الحلول التكتيكية

في لحظة حرجة من الموسم، وبينما يستعد برشلونة لاستئناف مشواره في الليغا بعد فترة التوقف الدولي، يجد المدرب الألماني هانز فليك نفسه في مواجهة أزمة غير مسبوقة: غياب شبه كامل لصناع اللعب. إصابات متتالية ضربت قلب منظومة الإبداع في الفريق، لتضع فليك أمام اختبار حقيقي لقدراته التكتيكية، وتكشف عن مدى عمق مشروعه في كامب نو.

غياب الأدمغة المبدعة

الإصابة الأخيرة لداني أولمو مع المنتخب الإسباني جاءت كالقشة التي قصمت ظهر المنظومة الهجومية. بانضمامه إلى قائمة الغائبين التي تشمل جافي، فيرمين لوبيز، ورافينيا، بات برشلونة بلا أي لاعب جاهز في مركز صناعة اللعب. هذا الغياب لا يعني فقط فقدان التمريرة الحاسمة، بل فقدان الرابط بين الوسط والهجوم، والقدرة على التحكم في إيقاع المباراة.

في المواسم السابقة، كان برشلونة يمتلك دائمًا لاعبًا قادرًا على صناعة الفارق من العمق، سواء عبر التمريرات الذكية أو التحرك بين الخطوط. الآن، يبدو أن الفريق يفتقد لهذه الخاصية تمامًا، مما يهدد توازن الأداء ويضع ضغطًا إضافيًا على الأطراف والمهاجمين.

فليك في مواجهة الواقع

منذ توليه قيادة الفريق، أظهر فليك مرونة تكتيكية، وقدرة على التكيف مع الظروف. لكنه الآن أمام تحدٍ من نوع مختلف: كيف تبني منظومة هجومية دون صانع لعب؟ كيف تحافظ على فلسفة الاستحواذ والضغط العالي، دون لاعب يربط بين الخطوط؟

بحسب صحيفة “موندو ديبورتيفو”، استغل فليك فترة التوقف الدولي لتحليل الأخطاء، ووضع خطة لإعادة الفريق إلى مساره الصحيح، بعد السقوط أمام باريس سان جيرمان وإشبيلية. لكنه يدرك أن الحلول التقليدية لن تنجح، وأن عليه التفكير خارج الصندوق.

خيارات بديلة… لكنها محدودة

في ظل الغيابات، بدأ فليك في تجربة بعض الحلول البديلة. أبرزها تحويل فرينكي دي يونغ إلى مركز أكثر هجومية، ليقوم بدور صانع اللعب من العمق. لكن دي يونغ، رغم قدراته الفنية، يفضل اللعب كارتكاز متقدم، ويعتمد أكثر على التمريرات القصيرة والتحكم في الرتم، وليس التمريرات الحاسمة.

الخيار الآخر كان استخدام بيدري في هذا الدور، لكن الأخير عائد من إصابة طويلة، ولا يزال بعيدًا عن الجاهزية البدنية الكاملة. أما فيران توريس، فرغم محاولاته في مركز الوسط الهجومي، إلا أنه يفتقد للرؤية والتمركز المطلوبين لصناعة اللعب.

تغيير في الرسم التكتيكي

أمام هذا الواقع، بدأ فليك في تعديل الرسم التكتيكي للفريق. بدلاً من الاعتماد على 4-2-3-1، التي تتطلب وجود صانع لعب خلف المهاجم، اتجه إلى 4-3-3 الكلاسيكية، مع التركيز على الأطراف والاختراقات من العمق عبر دي يونغ وبيدري.

هذا التغيير يمنح الفريق مرونة أكبر، لكنه أيضًا يضع ضغطًا على الأجنحة، خصوصًا لامين يامال وأنسو فاتي، الذين يُطلب منهم الآن لعب دور مزدوج: صناعة اللعب وإنهاء الهجمات.

دور ليفاندوفسكي في تعويض الغياب

في ظل غياب صناع اللعب، بات على المهاجم البولندي روبرت ليفاندوفسكي أن يلعب دورًا أكبر في بناء الهجمات. فليك طلب منه التراجع أكثر إلى الخلف، لاستلام الكرة وربط اللعب، قبل التقدم إلى منطقة الجزاء.

هذا الدور ليس جديدًا على ليفاندوفسكي، الذي قدمه سابقًا مع بايرن ميونيخ، لكنه يتطلب مجهودًا بدنيًا إضافيًا، وقد يؤثر على معدله التهديفي. ومع ذلك، فإن خبرته وقدرته على قراءة اللعب تجعله أحد مفاتيح الحل في هذه الأزمة.

الشباب في الواجهة

في ظل النقص العددي، بدأ فليك في منح الفرصة لبعض اللاعبين الشباب من أكاديمية “لا ماسيا”. أبرزهم مارك غي، لاعب الوسط الهجومي البالغ من العمر 18 عامًا، والذي شارك في التدريبات الأخيرة مع الفريق الأول.

غي يتميز برؤية جيدة للملعب، وقدرة على التمرير تحت الضغط، لكنه لا يزال يفتقر للخبرة في المباريات الكبرى. فليك يدرك أن الاعتماد عليه بشكل كامل قد يكون مخاطرة، لكنه أيضًا يرى فيه مشروع لاعب قادر على سد الفراغ في المستقبل القريب.

الإعلام والجماهير… بين القلق والدعم

الإعلام الإسباني تناول الأزمة بكثير من القلق، خصوصًا مع اقتراب مواجهة جيرونا، التي تُعد اختبارًا حقيقيًا لقدرة الفريق على تجاوز الغيابات. صحيفة “آس” وصفت الوضع بأنه “أزمة إبداع”، بينما اعتبرت “سبورت” أن فليك أمام لحظة حاسمة في مشروعه.

الجماهير منقسمة بين من يرى أن فليك يحتاج إلى وقت، ومن يطالب بتعاقدات عاجلة في يناير. لكن الإدارة، بحسب التقارير، تفضل التريث، ومراقبة تطور اللاعبين الشباب قبل اتخاذ أي قرار.

هل تكفي الحلول المؤقتة؟

السؤال الأهم الآن: هل تكفي هذه الحلول المؤقتة لتجاوز الأزمة؟ الإجابة تعتمد على مدى قدرة فليك على توظيف العناصر المتاحة بأفضل شكل، وعلى سرعة تعافي المصابين. لكن الأكيد أن الفريق بحاجة إلى صانع لعب حقيقي، سواء من داخل القائمة أو عبر السوق.

الاعتماد على الأطراف فقط قد ينجح في بعض المباريات، لكنه لا يكفي أمام الفرق المتكتلة، التي تحتاج إلى تمريرة ذكية من العمق لكسر خطوطها. وهنا يظهر غياب أولمو وجافي كعامل حاسم في تراجع الأداء.

نظرة مستقبلية

إذا نجح فليك في تجاوز هذه المرحلة، فإنه سيؤكد جدارته بقيادة مشروع برشلونة الجديد. وإذا فشل، فإن الأصوات المطالبة بالتغيير ستزداد، خصوصًا في ظل المنافسة الشرسة على لقب الليغا، وضغط دوري الأبطال.

لكن ما يميز فليك هو إيمانه بالعمل الجماعي، وقدرته على بناء منظومة متكاملة، لا تعتمد على لاعب واحد. هذا الإيمان قد يكون مفتاح النجاح في المرحلة القادمة، إذا ما حصل على الدعم الكافي من الإدارة والجماهير.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى