عقول على خط النار: من يستحق لقب مدرب الشهر في البريميرليغ؟


في دوري لا يرحم، حيث تُقاس النجاحات بالنتائج وتُرسم الهويات على الخطوط البيضاء، تبرز جائزة “مدرب الشهر” في الدوري الإنجليزي الممتاز كمرآة تعكس عبقرية تكتيكية، وقيادة نفسية، وقرارات مصيرية صنعت الفارق في أصعب بطولة محلية في العالم. وبينما تتجه الأنظار نحو النجوم داخل الملعب، فإن من يقفون على الخط الجانبي هم من يصنعون السيناريو، ويكتبون فصول المجد أو الانكسار.
في هذا الشهر، اشتدت المنافسة بين أربعة أسماء برزت بقوة، كل منهم قاد فريقه في ظروف مختلفة، وحقق نتائج لافتة تستحق التوقف والتحليل.
مايكل أرتيتا: العودة إلى الجذور
مدرب أرسنال، مايكل أرتيتا، أعاد لفريقه نغمة الانتصارات بعد بداية متذبذبة. خلال الشهر، حقق ثلاثة انتصارات متتالية، أبرزها الفوز على مانشستر يونايتد بهدف قاتل في الوقت بدل الضائع، أظهر فيه الفريق شخصية البطل، وقدرة على الحسم في اللحظات الحرجة.
أرتيتا اعتمد على مرونة تكتيكية بين 4-3-3 و3-4-2-1، ونجح في توظيف لاعبيه بشكل مثالي، خاصة الوافد الجديد ديكلان رايس، الذي منح وسط الملعب صلابة إضافية. كما أن إشراك كاي هافرتز في مركز متقدم أعاد له الثقة، وفتح مساحات أمام ساكا ومارتينيلي.
لكن الأهم من النتائج، هو استعادة أرسنال لهويته الهجومية المنظمة، والضغط العالي الذي ميزه في الموسم الماضي. أرتيتا أثبت أنه لا يزال قادرًا على قيادة المشروع نحو القمة، رغم الضغوط الجماهيرية والإعلامية.
بيب غوارديولا: عبقرية لا تهدأ
رغم غيابه عن مباراة واحدة بسبب عملية جراحية، إلا أن تأثير بيب غوارديولا على مانشستر سيتي كان واضحًا. الفريق حقق العلامة الكاملة خلال الشهر، وسجل 10 أهداف في ثلاث مباريات، أبرزها الفوز الساحق على فولهام بنتيجة 5-1.
غوارديولا واصل تطوير منظومة اللعب، وأدخل تعديلات ذكية على تمركز رودري، ومنح جوليان ألفاريز دورًا أكثر حرية خلف هالاند، ما زاد من فعالية الهجوم. كما أن إشراك جيريمي دوكو على الجناح الأيسر أضفى بعدًا جديدًا للسرعة والمراوغة.
لكن ما يميز غوارديولا هذا الشهر هو قدرته على تدوير اللاعبين دون التأثير على الأداء، حيث منح الفرصة للشباب مثل أوسكار بوب، وأظهر أن سيتي ليس فريقًا يعتمد على أسماء، بل على منظومة متكاملة.
روب إدواردز: مفاجأة الشهر
مدرب لوتون تاون، روب إدواردز، كان المفاجأة السارة لهذا الشهر. الفريق الصاعد حديثًا إلى البريميرليغ حقق أول فوز له في البطولة، وتعادل أمام ولفرهامبتون، وقدم أداءً قتاليًا أمام وست هام رغم الخسارة.
إدواردز اعتمد على تنظيم دفاعي صارم، وتحولات سريعة، ونجح في توظيف إمكانيات لاعبيه المحدودة بأقصى شكل ممكن. الفريق أظهر روحًا جماعية عالية، وانضباطًا تكتيكيًا، جعل الكثيرين يعيدون النظر في قدرته على البقاء في الدوري.
ورغم أن لوتون لا يملك أسماء لامعة، إلا أن بصمة المدرب كانت واضحة، خاصة في تحفيز اللاعبين، وإدارة المباريات تحت الضغط الجماهيري والإعلامي.
يورغن كلوب: تجديد الروح
مدرب ليفربول، يورغن كلوب، استعاد بريقه هذا الشهر، بعد موسم سابق شهد تراجعًا كبيرًا. الفريق حقق ثلاثة انتصارات متتالية، أبرزها الفوز على ولفرهامبتون خارج الأرض، بعد تأخره في الشوط الأول.
كلوب أجرى تغييرات جذرية على وسط الملعب، بإشراك سوبوسلاي وماك أليستر، ومنح صلاح حرية أكبر في التحرك، ما أعاد للفريق سرعته في التحولات، وقدرته على الضغط العكسي.
لكن الأهم هو الروح التي ظهرت في الفريق، حيث قاتل اللاعبون حتى اللحظة الأخيرة، وأظهروا رغبة حقيقية في العودة للمنافسة. كلوب بدا أكثر هدوءًا، وأكثر تركيزًا، وكأنه بدأ فصلًا جديدًا في رحلته مع الريدز.
المقارنة الفنية: من صنع الفارق؟
عند مقارنة المدربين الأربعة، تظهر نقاط تميز مختلفة:
| المدرب | عدد الانتصارات | الأهداف المسجلة | الأهداف المستقبلة | أبرز مباراة |
|---|---|---|---|---|
| أرتيتا | 3 | 6 | 2 | الفوز على يونايتد |
| غوارديولا | 3 | 10 | 3 | الفوز على فولهام |
| إدواردز | 1 | 3 | 4 | التعادل مع ولفز |
| كلوب | 3 | 7 | 2 | الفوز على ولفز |
غوارديولا يتفوق بالأرقام، لكن أرتيتا وكلوب أظهرا قدرة على قلب النتائج، بينما يُحسب لإدواردز أنه صنع الفارق رغم محدودية الإمكانيات.
الجماهير: من الأحق بالجائزة؟
الجماهير انقسمت بين من يرى أن غوارديولا يستحق الجائزة بالأرقام، ومن يرى أن أرتيتا أو كلوب يستحقانها بسبب التأثير النفسي والتكتيكي. أما جماهير لوتون، فترى أن مجرد ترشيح إدواردز للجائزة هو انتصار بحد ذاته.
على مواقع التواصل، انتشرت حملات دعم لأرتيتا، خاصة من جماهير أرسنال التي ترى أن الفوز على يونايتد كان لحظة فارقة. بينما احتفى جمهور سيتي بأداء الفريق الهجومي، واعتبروا أن غوارديولا لا يُقارن.
الإعلام الرياضي: تحليلات متباينة
الصحافة البريطانية قدمت تحليلات متباينة، حيث رأت “ذا أثلتيك” أن كلوب يستحق الجائزة لأنه أعاد الروح للفريق، بينما اعتبرت “سكاي سبورتس” أن غوارديولا هو الأحق بسبب الأداء المتكامل.
أما “ديلي ميل”، فركزت على أرتيتا، واعتبرت أن فوزه على يونايتد في اللحظة الأخيرة يُظهر نضجًا تكتيكيًا، وقدرة على إدارة المباريات تحت الضغط.
الخلاصة: الجائزة ليست مجرد لقب
جائزة مدرب الشهر في البريميرليغ ليست مجرد لقب، بل اعتراف بعبقرية تكتيكية، وقيادة نفسية، وقدرة على صنع الفارق في أصعب الظروف. هذا الشهر، المنافسة كانت شرسة، وكل مدرب قدم ما يستحق التقدير.
سواء فاز بها غوارديولا، أرتيتا، كلوب، أو حتى إدواردز، فإن الرسالة واضحة: في البريميرليغ، لا يكفي أن تكون مدربًا جيدًا، بل يجب أن تكون قائدًا، مفكرًا، وصانعًا للهوية.




