أخبار منتخبات العالم

هاري كين: الهداف الذي لم يُصفق له أحد

في عالم كرة القدم، حيث تُقاس العظمة بعدد البطولات وتُخلّد الأسماء على جدران المجد بوهج الكؤوس، يقف هاري كين كحالة استثنائية لا تشبه أحدًا. مهاجم إنجليزي صنع لنفسه مجدًا فرديًا لا يُضاهى، لكنه ظل يطارد حلمًا جماعيًا يرفض أن يتحقق. وبينما تتراكم أهدافه وتُكسر أرقامه القياسية، يبقى التقدير الجماهيري والإعلامي أقل بكثير مما يستحقه هذا الهداف الهادئ.

من ريدجواي إلى ميونخ.. رحلة لا تعرف الاستسلام

ولد هاري إدوارد كين في لندن عام 1993، وبدأ رحلته الكروية في أكاديمية ريدجواي روفرز، قبل أن ينتقل إلى أرسنال لفترة قصيرة، ثم يعود إلى ريدجواي، ومنه إلى توتنهام هوتسبير، حيث بدأت الحكاية الحقيقية. لم يكن كين موهبة خارقة منذ البداية، بل لاعبًا تطور تدريجيًا، عبر الإعارات المتكررة إلى أندية مثل ليتون أورينت وميلوول ونورويتش وليستر سيتي، قبل أن يثبت نفسه في صفوف السبيرز.

في توتنهام، تحوّل كين إلى ماكينة أهداف لا تتوقف. سجل 213 هدفًا في 317 مباراة بالدوري، وتوج بالحذاء الذهبي ثلاث مرات، وأصبح الهداف التاريخي للنادي. لكن رغم كل ذلك، لم يحقق أي بطولة مع الفريق، وظل حلم التتويج يراوغه، حتى بعد وصوله إلى نهائي دوري الأبطال عام 2019، الذي خسره أمام ليفربول.

قائد الأسود الثلاثة.. رقم لا يُكسر

على المستوى الدولي، كتب كين اسمه بأحرف من ذهب في تاريخ منتخب إنجلترا. منذ أول ظهور له عام 2015، أصبح القائد والرمز، وسجل أكثر من 70 هدفًا دوليًا، ليصبح الهداف التاريخي للأسود الثلاثة، متجاوزًا أسماء مثل واين روني وجاري لينيكر.

قاد كين إنجلترا إلى نصف نهائي كأس العالم 2018، ونهائي يورو 2020، لكنه خسر في المرتين. ورغم الأداء البطولي، ظل يُنظر إليه كقائد لم يحقق المجد، في بلد لا ترحم من لا يرفع الكأس.

انتقال إلى بايرن ميونخ.. كسر النحس أم بداية جديدة؟

في صيف 2023، اتخذ كين قرارًا مصيريًا بالانتقال إلى بايرن ميونخ، بحثًا عن البطولات التي استعصت عليه في إنجلترا. وفي ألمانيا، واصل تألقه، وسجل عشرات الأهداف في موسمه الأول، ليؤكد أنه ليس فقط هدافًا إنجليزيًا، بل نجمًا عالميًا.

لكن حتى في بايرن، لم تكن الأمور سهلة. خسر الفريق دوري الأبطال في أول موسم له، وواجه انتقادات رغم أرقامه الخرافية. وكأن لعنة البطولات تلاحقه أينما ذهب، رغم أنه شارك في أكثر من 80 بطولة مختلفة وخاض خمس نهائيات كبرى، جميعها انتهت بخسائر مؤلمة.

لماذا لا يُقدّر كين كما يستحق؟

السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا لا يحظى هاري كين بالتقدير الذي يليق بإنجازاته؟ هل لأن كرة القدم الحديثة باتت تفضل “البراند” على الأداء؟ أم لأن كين يفتقر إلى الكاريزما الإعلامية التي يتمتع بها نجوم مثل رونالدو ومبابي؟

كين لا يصرخ، لا يحتفل بجنون، لا يثير الجدل. هو لاعب متواضع، هادئ، يترك أقدامه تتحدث. وربما لهذا السبب، لا يثير الحماس الجماهيري كما يفعل الآخرون. لكنه في المقابل، يمثل نموذجًا نادرًا للاحترافية والاتساق، لاعب لا يخذل فريقه، ولا يتراجع مستواه، مهما كانت الظروف.

بين الأرقام والمشاعر.. كين الإنسان

بعيدًا عن الإحصائيات، كين هو أب وزوج، يحرص على حياة أسرية مستقرة، ويشارك جمهوره لحظاته الشخصية بتواضع. لم يرتبط بفضائح، ولم يدخل في صراعات، بل ظل مثالًا للرياضي النبيل. وهذا الجانب الإنساني، رغم جماله، لا يلقى نفس الاهتمام في عالم يفضل الإثارة على العمق.

إرث كين.. هل يُكتب بالميداليات فقط؟

في نهاية المطاف، يبقى السؤال الأهم: هل يُقاس إرث اللاعب بعدد البطولات فقط؟ إذا كان الجواب نعم، فإن كين سيظل مظلومًا. أما إذا نظرنا إلى التأثير، الاتساق، القيادة، والقدرة على إعادة تعريف مركز المهاجم، فإن كين يستحق أن يُذكر بين الأعظم.

لقد أعاد تعريف دور رأس الحربة، ليس فقط كمنفذ للأهداف، بل كموزع، وصانع لعب، وقائد تكتيكي. تمريراته الحاسمة، تحركاته الذكية، وقدرته على قراءة المباراة، جعلته أكثر من مجرد هداف. هو لاعب يفهم اللعبة، ويجعل من حوله أفضل.

كين في عيون الجماهير.. حب بلا ضجيج

رغم ضعف التقدير الإعلامي، يحظى كين بحب جماهيري صادق، خاصة من مشجعي توتنهام، الذين يرونه رمزًا للوفاء. وحتى جماهير إنجلترا، رغم خيبات الأمل، لا تنكر دوره القيادي. هو ليس البطل الذي يرفع الكأس، لكنه البطل الذي لا يستسلم، الذي يقاتل حتى النهاية، والذي يعلّمنا أن المجد لا يُقاس فقط بالذهب، بل بالثبات والإخلاص.

حين يصبح الصمت بطولة

هاري كين هو تذكير بأن البطولة ليست دائمًا صاخبة. أحيانًا، تكون في الصمت، في الاتساق، في الإصرار على الحلم رغم الخذلان. هو لاعب كتب تاريخه بأقدامه، لا بصراخه. وإذا كانت كرة القدم فنًا، فإن كين أحد أعظم فنانيها، حتى لو لم يُصفق له الجميع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى