أخبار منتخبات العالم

الأخضر في لحظة الحقيقة: ما بين الثقة والتاريخ قبل صدام العراق

في أمسيات كرة القدم الحاسمة، لا تُقاس الأمور فقط بالأرقام أو التكتيك، بل بالمشاعر، بالإيمان، وبالقدرة على تحويل الضغط إلى دافع. هذا تمامًا ما يعيشه المنتخب السعودي وهو يستعد لمواجهة العراق في واحدة من أكثر مباريات الملحق الآسيوي سخونة، على أرضية ملعب “الإنماء” في جدة، حيث لا مجال للتعثر، ولا وقت للتردد.

مشهد ما قبل العاصفة

الثلاثاء 14 أكتوبر 2025، هو التاريخ الذي ينتظره الملايين من عشاق “الأخضر”، حين يدخل المنتخب السعودي موقعة مصيرية ضد شقيقه العراقي، في ختام منافسات المجموعة الثانية من الملحق الآسيوي المؤهل إلى كأس العالم 2026. مباراة لا تقبل القسمة على اثنين، حيث يتساوى المنتخبان في عدد النقاط (3 لكل منهما)، بعد فوز السعودية على إندونيسيا 3-2، والعراق على نفس الخصم 1-0.

لكن فارق الأهداف يمنح السعودية الأفضلية، ما يعني أن التعادل يكفيها للتأهل، بينما لا بديل للعراق عن الفوز. ورغم أن الحسابات تبدو بسيطة على الورق، فإن الواقع أكثر تعقيدًا، لأن مثل هذه المواجهات لا تُحسم بالحسابات فقط، بل بالثقة، بالروح، وبالقدرة على التعامل مع الضغط.

التاريخ يبتسم للأخضر

حين نعود إلى سجل المواجهات بين المنتخبين في تصفيات كأس العالم، نجد أن السعودية تملك أفضلية واضحة. فقد تواجه الفريقان 6 مرات في التصفيات، فاز “الأخضر” في 5 منها، وتعادل في واحدة، دون أي فوز عراقي. هذه الأرقام تمنح اللاعبين دفعة معنوية، لكنها لا تضمن شيئًا، لأن كرة القدم لا تعترف بالماضي حين تُطلق صافرة البداية.

رينارد والرهان على الاستقرار

المدرب الفرنسي هيرفي رينارد، الذي يقود المنتخب السعودي منذ سنوات، اختار أن يراهن على الاستقرار في التشكيلة، حيث تشير التقارير إلى أنه سيعتمد على نفس الأسماء التي خاضت مباراة إندونيسيا الأخيرة. هذا القرار يعكس ثقة الجهاز الفني في المجموعة الحالية، ويمنح اللاعبين شعورًا بالثبات والتركيز.

التشكيلة المتوقعة تضم محمد العويس في حراسة المرمى، رباعي دفاعي بقيادة علي البليهي وعبد الإله العمري، وسط ميدان يقوده سلمان الفرج ومحمد كنو، وهجوم يعتمد على سرعة سالم الدوسري وحسم فراس البريكان.

ما وراء الأرقام.. الروح هي الفارق

بعيدًا عن التكتيك، تبدو الروح المعنوية في معسكر “الأخضر” مرتفعة. اللاعبون يدركون أهمية اللحظة، ويشعرون بثقل المسؤولية. الجماهير السعودية، التي ستملأ مدرجات ملعب الإنماء، تنتظر منهم أداءً يليق بتاريخ المنتخب، ويعيده إلى كأس العالم للمرة السابعة في تاريخه.

لكن في المقابل، لا يمكن تجاهل الحافز الكبير لدى المنتخب العراقي، الذي يدخل المباراة بشعار “نكون أو لا نكون”. العراق يملك جيلًا شابًا موهوبًا، ومدربًا يعرف كيف يحفز لاعبيه في اللحظات الصعبة. وهذا ما يجعل المباراة مفتوحة على كل الاحتمالات.

الإعلام والضغوط.. سلاح ذو حدين

الاهتمام الإعلامي الكبير بالمباراة، والتغطية المكثفة من الصحف والمنصات، يضع اللاعبين تحت المجهر. البعض يرى أن هذا الضغط قد يؤثر سلبًا، لكن آخرين يعتبرونه دافعًا إضافيًا. اللافت أن بعض الأصوات الإعلامية بدأت تُطلق إشارات تشاؤمية، كما فعل الإعلامي دباس الدوسري الذي تحدث عن “رؤية في المنام” لمحمد صلاح يواسيه بعد الخروج من الملعب.

ورغم الطابع الطريف لهذا التصريح، إلا أنه يعكس حالة التوتر التي تسبق مثل هذه المواجهات. وهنا يأتي دور الجهاز الفني في عزل اللاعبين عن الضجيج، وتركيزهم على المهمة فقط.

الجمهور.. اللاعب رقم 12

لا يمكن الحديث عن هذه المباراة دون التوقف عند دور الجمهور السعودي، الذي يُنتظر أن يكون حاضرًا بقوة في مدرجات ملعب الإنماء. جدة، التي عاشت ليالٍ كروية لا تُنسى، تستعد لاستقبال واحدة من أهم مباريات “الأخضر” في السنوات الأخيرة.

الحضور الجماهيري لا يمنح فقط الدعم المعنوي، بل يخلق ضغطًا على الخصم، ويمنح اللاعبين شعورًا بأنهم لا يقاتلون وحدهم. في مثل هذه المباريات، قد تكون هتافات الجماهير هي الفارق بين التأهل والخروج.

ما الذي يجب أن يفعله الأخضر؟

من الناحية الفنية، يجب على المنتخب السعودي أن يدخل المباراة بتركيز عالٍ، دون اندفاع أو تراجع مفرط. السيطرة على وسط الملعب ستكون مفتاح التفوق، مع ضرورة استغلال المساحات خلف دفاع العراق، الذي قد يندفع بحثًا عن الفوز.

كما يجب الحذر من الكرات الثابتة، التي يجيد المنتخب العراقي تنفيذها، ومن الهجمات المرتدة السريعة. الانضباط الدفاعي، واللعب الجماعي، والهدوء في إنهاء الهجمات، ستكون عناصر حاسمة.

ما بعد المباراة.. التأهل ليس النهاية

في حال تأهل المنتخب السعودي، فإن الطريق إلى كأس العالم 2026 سيكون قد بدأ، لا انتهى. التأهل هو الخطوة الأولى، تليها مرحلة الإعداد الجاد، وتطوير الأداء، وبناء فريق قادر على المنافسة في المحفل العالمي.

أما في حال الخسارة، لا قدر الله، فإنها ستكون لحظة مراجعة، لا جلد للذات. لأن كرة القدم لا تعترف بالمثالية، بل بالاستمرارية. والمهم أن يخرج المنتخب من هذه التجربة أقوى، وأكثر نضجًا.

خاتمة: لحظة لا تُنسى

مباراة السعودية والعراق ليست مجرد 90 دقيقة، بل لحظة تختصر سنوات من العمل، من الحلم، ومن الانتظار. هي اختبار للروح، للعزيمة، وللإيمان. وفي مثل هذه اللحظات، لا يكفي أن تكون جيدًا، بل يجب أن تكون حاضرًا، شجاعًا، ومؤمنًا بأنك تستحق.

“الأخضر” يملك كل المقومات للعبور: التاريخ، الجمهور، الاستقرار، والموهبة. لكن عليه أن يُثبت ذلك على أرض الملعب. لأن كرة القدم، في النهاية، لا تعترف إلا بمن يكتب اسمه بالعرق، وبالدم، وبالهدف الحاسم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى