شغف التجديد في مدريد: كيف تعكس صفقة الشاب الفرنسي ملامح مشروع أتلتيكو الجديد؟


في صيفٍ مشحون بالتكهنات والانتقادات، وبين أصوات الجماهير التي تطالب بالتغيير، تحرك أتلتيكو مدريد بخطوة غير متوقعة، لكنها تحمل في طياتها الكثير من الدلالات. صفقة شابة من الدوري الفرنسي، لم تكن الأضواء مسلطة عليها، لكنها جاءت كرسالة واضحة من إدارة الروخي بلانكوس: نحن نعيد بناء الفريق، لا نرقّع ما تهالك.
موسم للنسيان… وبداية لإعادة التوازن
أنهى أتلتيكو مدريد موسم 2024-2025 ثالثًا خلف برشلونة وريال مدريد، وخرج من نصف نهائي كأس الملك أمام الأول، ومن ثمن نهائي دوري الأبطال على يد الثاني. لم يكن موسمًا كارثيًا، لكنه بالتأكيد لم يكن على مستوى الطموحات. بدا الفريق منهكًا، تكتيكيًا وذهنيًا، وافتقد للحدة التي ميزته في سنوات سيميوني الذهبية.
في هذا السياق، جاءت الانتقادات حادة، تطال المدرب، والإدارة، وحتى اللاعبين الكبار. لكن الرد لم يكن عبر التصريحات، بل عبر صفقة شابة من الدوري الفرنسي، تحمل في طياتها فلسفة جديدة.
من هو الوافد الجديد؟
اللاعب هو “يانيس لاغا”، جناح هجومي يبلغ من العمر 20 عامًا، قادم من نادي ستراسبورغ الفرنسي. يتميز بسرعته الفائقة، وقدرته على المراوغة في المساحات الضيقة، إضافة إلى حس تهديفي بدأ يلفت الأنظار في الدوري الفرنسي. لم يكن اسمًا متداولًا في الصحف الكبرى، لكنه كان تحت رادار كشافي أتلتيكو منذ أكثر من عام.
الصفقة كلفت النادي حوالي 18 مليون يورو، مع حوافز قد تصل إلى 5 ملايين إضافية. عقد يمتد لخمس سنوات، مع شرط جزائي تصاعدي، يعكس ثقة الإدارة في تطور اللاعب.
لماذا لاغا؟ ولماذا الآن؟
اختيار لاغا لم يكن عشوائيًا. أتلتيكو يبحث عن تجديد دماء الفريق، خصوصًا في الخط الأمامي الذي عانى من التكرار والرتابة. جريزمان لم يعد بنفس الحيوية، وموراتا يعيش فترات متذبذبة، بينما يورينتي ومولينا يقدمان أدوارًا تكتيكية أكثر من كونها حاسمة.
لاغا يمثل نموذج اللاعب الذي يمكن تطويعه تكتيكيًا، وتطويره بدنيًا وفنيًا. يمتلك خصائص تتماشى مع أسلوب سيميوني في الضغط العالي والتحولات السريعة، لكنه أيضًا يمنح الفريق مرونة هجومية في مواجهة الفرق المتكتلة.
فلسفة جديدة أم مجرد مقامرة؟
البعض يرى أن التعاقد مع لاعب شاب غير مجرب في البطولات الكبرى هو مقامرة، خصوصًا في ظل حاجة الفريق لنتائج فورية. لكن المتأمل في تحركات أتلتيكو هذا الصيف يلاحظ توجهًا نحو بناء مشروع طويل الأمد، يعتمد على عناصر شابة قابلة للتطور، بدلًا من التعاقد مع أسماء جاهزة قد لا تنسجم مع هوية الفريق.
هذا التوجه يعكس أيضًا تغيرًا في عقلية الإدارة، التي باتت أكثر انفتاحًا على الاستثمار في المواهب، بدلًا من الإنفاق على النجوم. صفقة لاغا ليست الأولى، فقد سبقها التعاقد مع المدافع البرازيلي “إيغور فيريرا” من بالميراس، ولاعب الوسط الإسباني “ماركوس غالان” من رايو فاييكانو.
كيف سيُوظف لاغا تكتيكيًا؟
في المباريات الودية التي خاضها الفريق في أكتوبر، ظهر لاغا في مركز الجناح الأيسر، لكنه أيضًا شارك كمهاجم ثانٍ خلف ألفاريز. هذا التنوع يمنح سيميوني خيارات متعددة، خصوصًا في ظل إصابة أنخيل كوريا وتراجع مستوى ساؤول.
من المتوقع أن يُستخدم لاغا في خطة 4-4-2 الكلاسيكية، كجناح هجومي يتحول إلى مهاجم عند الحاجة، أو في 4-2-3-1 كجناح عكسي يدخل إلى العمق. قدرته على اللعب بالقدمين تمنحه ميزة إضافية في التمركز وتبادل الأدوار.
رد فعل الجماهير والإعلام
الجماهير انقسمت بين متفائلة ومتحفظة. البعض يرى أن الصفقة تحمل روحًا جديدة، وتعيد الأمل في مشروع متجدد، بينما يرى آخرون أن الفريق بحاجة إلى أسماء كبيرة تعيد الهيبة المفقودة.
الإعلام الإسباني تعامل مع الصفقة بحذر، لكنه أشار إلى أن لاغا قد يكون “جوهرة مخفية”، إذا ما حصل على الوقت والدعم الكافي. صحيفة “ماركا” وصفت الصفقة بأنها “خطوة ذكية في سوق مضطرب”، بينما اعتبرتها “آس” بداية لتحول في سياسة النادي.
التحديات التي تواجه اللاعب
لاغا سيواجه تحديات كبيرة، أبرزها التأقلم مع أجواء الليغا، وضغط الجماهير، وتكتيك سيميوني الصارم. عليه أن يثبت نفسه في بيئة تنافسية، وأن يتعلم بسرعة، خصوصًا في ظل وجود لاعبين أصحاب خبرة في مركزه.
لكن ما يميزه هو شخصيته الهادئة، وانضباطه في التدريبات، بحسب تصريحات مدربه السابق في ستراسبورغ، الذي وصفه بأنه “لاعب يتعلم من كل دقيقة في الملعب”.
هل تعيد الصفقة التوازن فعلاً؟
التوازن لا يأتي من صفقة واحدة، لكنه يبدأ منها. لاغا قد لا يكون الحل السحري، لكنه يمثل بداية لتغيير في طريقة التفكير، وفي فلسفة البناء. إذا ما نجحت الصفقة، فإنها ستفتح الباب أمام المزيد من التعاقدات الذكية، وستعيد لأتلتيكو صورته كفريق لا يشتري النجوم، بل يصنعهم.
نظرة مستقبلية
في ظل المنافسة الشرسة في الليغا، وعودة الفرق المتوسطة بقوة، يحتاج أتلتيكو إلى أكثر من مجرد أسماء. يحتاج إلى مشروع، وهو ما يبدو أن الإدارة بدأت في بنائه. صفقة لاغا ليست مجرد تعاقد، بل هي إعلان نوايا.
إذا ما حصل اللاعب على الدعم، والوقت، والثقة، فقد يكون أحد أعمدة الفريق في السنوات القادمة. وإذا ما فشلت الصفقة، فإنها ستبقى تجربة تستحق التقدير، لأنها خرجت عن المألوف، وسعت إلى التجديد بدلًا من التكرار.




