كومباني يرمم جدار بايرن: ثنائية إنجليزية تعيد التوازن الدفاعي


في صيف ساخن من سوق الانتقالات، وبينما كانت الأنظار تتجه نحو الصفقات الهجومية الكبرى، اختار بايرن ميونخ أن يتحرك بهدوء في العمق، حيث تُبنى البطولات وتُحسم المواسم. المدرب البلجيكي فينسنت كومباني، الذي تولى قيادة الفريق البافاري في يونيو 2025، قرر أن يبدأ مشروعه من الخلف، عبر صفقة مزدوجة من الدوري الإنجليزي الممتاز، تعيد تشكيل خط الدفاع وتمنح الفريق صلابة افتقدها في المواسم الأخيرة.
الصفقة، التي ضمت المدافع الفرنسي ويليام ساليبا من أرسنال، والظهير الأيسر الإنجليزي لوك توماس من ليستر سيتي، لم تكن فقط تعزيزًا رقميًا، بل خطوة تكتيكية تعكس فلسفة كومباني، الذي يؤمن بأن الدفاع هو حجر الأساس لأي مشروع ناجح.
من لندن إلى ميونخ.. انتقالات تحمل أكثر من معنى
ويليام ساليبا، الذي تألق مع أرسنال في الموسمين الماضيين، يُعد من أفضل المدافعين في البريميرليغ من حيث التمركز، والافتكاك، وبناء اللعب من الخلف. انتقاله إلى بايرن مقابل 65 مليون يورو، بعقد يمتد حتى 2029، يُعد ضربة قوية في سوق المدافعين، خاصة أن اللاعب كان هدفًا لعدة أندية أوروبية.
أما لوك توماس، فهو ظهير أيسر شاب، يبلغ من العمر 24 عامًا، ويمتاز بالسرعة، والقدرة على التمرير العرضي، والضغط العالي. انضم إلى بايرن مقابل 18 مليون يورو، بعد موسم مميز مع ليستر في الدرجة الأولى، حيث ساهم في صعود الفريق مجددًا إلى البريميرليغ.
الصفقتان تحملان رسالة واضحة: كومباني لا يبحث عن أسماء، بل عن عناصر تتماشى مع فلسفته، وتمنحه المرونة التكتيكية التي يحتاجها في مشروعه الجديد.
كومباني.. مدرب يعرف كيف يُعيد بناء الدفاع
حين تولى فينسنت كومباني تدريب بايرن ميونخ، كانت هناك علامات استفهام كثيرة. مدرب شاب، قادم من تجربة متواضعة مع بيرنلي، يتولى قيادة أحد أكبر أندية أوروبا. لكن الإدارة البافارية كانت تؤمن برؤيته، وبقدرته على بناء فريق متماسك، يعتمد على التنظيم، والانضباط، واللعب الجماعي.
كومباني، الذي كان أحد أفضل المدافعين في تاريخ مانشستر سيتي، يعرف جيدًا أهمية الخط الخلفي. وفي بايرن، قرر أن يبدأ من هناك، خاصة بعد موسم شهد اهتزازًا دفاعيًا واضحًا، رغم وجود أسماء مثل دي ليخت، أوباميكانو، وبافارد.
الصفقة المزدوجة تمنحه خيارات جديدة، وتُعيد التوازن إلى خط الدفاع، الذي عانى من الإصابات، ومن غياب الانسجام في الموسم الماضي.
ساليبا.. قائد صامت في قلب الدفاع
منذ ظهوره الأول مع أرسنال، أثبت ويليام ساليبا أنه ليس مجرد مدافع، بل قائد صامت، يملك شخصية قوية، وقدرة على قراءة اللعب، وتمريرات دقيقة تحت الضغط. في بايرن، يُنتظر منه أن يكون حجر الأساس في قلب الدفاع، إلى جانب دي ليخت أو أوباميكانو.
ساليبا يملك خصائص نادرة: طوله يمنحه تفوقًا في الكرات الهوائية، وسرعته تسمح له بتغطية المساحات، وهدوؤه يُساعد في بناء اللعب من الخلف. وهو ما يتماشى تمامًا مع فلسفة كومباني، الذي يعتمد على التمرير القصير، والتحولات السريعة.
لوك توماس.. ظهير عصري في منظومة هجومية
في مركز الظهير الأيسر، عانى بايرن من غياب البديل المناسب لألفونسو ديفيز، الذي تعرض لإصابات متكررة. ومع رحيل رافائيل غيريرو، كان الفريق بحاجة إلى ظهير عصري، يجمع بين الدفاع والهجوم، ويملك القدرة على اللعب في أكثر من مركز.
لوك توماس يُعد خيارًا مثاليًا. لاعب شاب، متعطش، يملك طاقة كبيرة، وقدرة على التمرير العرضي، والضغط العالي. في ليستر، كان أحد أبرز لاعبي الفريق في الموسم الماضي، وساهم في 9 أهداف بين صناعة وتسجيل.
في بايرن، يُنتظر منه أن يكون البديل المثالي لديفيز، وربما منافسًا له، خاصة أن كومباني يُحب تدوير اللاعبين، ومنح الفرص للجميع.
الأرقام لا تكذب.. الدفاع يحتاج إلى ترميم
في موسم 2024/2025، استقبل بايرن ميونخ 42 هدفًا في الدوري، وهو رقم يُعد مرتفعًا مقارنة بمواسمه السابقة. الفريق عانى من غياب الانسجام، ومن أخطاء فردية، ومن ضعف في التغطية الدفاعية، خاصة في المباريات الكبيرة.
الصفقة المزدوجة تهدف إلى معالجة هذه الثغرات، عبر إدخال عناصر جديدة، تملك خصائص مختلفة، وتُعيد التوازن إلى الخط الخلفي. ساليبا يمنح الصلابة، وتوماس يمنح السرعة، وكومباني يمنح التنظيم.
الجماهير.. بين الحذر والتفاؤل
رغم أن الصفقتين لم تحظيا بنفس الضجيج الإعلامي الذي رافق صفقات هجومية أخرى، فإن جماهير بايرن استقبلتهما بتفاؤل حذر. البعض يرى أن الفريق بحاجة إلى أسماء أكبر، بينما يعتبر آخرون أن المشروع الجديد يحتاج إلى وقت، وإلى عناصر تتماشى مع فلسفة المدرب.
لكن الجميع يتفق على أن الدفاع كان نقطة ضعف واضحة، وأن التحرك في هذا المركز يُعد خطوة ذكية، خاصة في ظل المنافسة الأوروبية، التي لا ترحم الأخطاء.
هل ينجح المشروع؟ الطريق لا يزال طويلًا
السؤال الأهم الآن: هل تنجح هذه الصفقة المزدوجة في إعادة بناء دفاع بايرن؟ الإجابة ليست سهلة، لأن النجاح لا يُقاس فقط بالأسماء، بل بالانسجام، وبالقدرة على التأقلم، وعلى تقديم الإضافة في اللحظات الحاسمة.
كومباني يملك الرؤية، والإدارة تمنحه الدعم، واللاعبون يملكون الإمكانيات. وإذا نجح هذا الثلاثي في العمل بتناغم، فإن بايرن قد يعود إلى المنافسة بقوة، ليس فقط محليًا، بل أوروبيًا أيضًا.
كرة القدم تُبنى من الخلف.. وبايرن بدأ من حيث يجب
في النهاية، تبقى كرة القدم لعبة التفاصيل. والهجوم وحده لا يكفي. الدفاع هو الأساس، وهو ما أدركه كومباني مبكرًا. صفقة مزدوجة من البريميرليغ، تحمل في طياتها أكثر من مجرد تعزيز، بل بداية جديدة، تُعيد رسم خريطة الفريق، وتمنحه التوازن الذي افتقده.
بايرن ميونخ لا يبحث عن الأضواء، بل عن البطولات. وإذا كانت الطريق إلى المجد تبدأ من الخلف، فإن كومباني اختار أن يسلكها بثقة، وبذكاء، وبصفقتين قد تُغيّران كل شيء.




